فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{يا بنى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ} أي البسوا ثيابكم واستروا عوراتكم عند كل صلاة.
قال السدي: كان هؤلاء والذين يطوفون بالبيت عراة يحرمون الودك.
فقال الله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ} في التحريم.
ويقال: الإسراف أن يأكل ما لا يحل أكله أو يأكل مما يحل له أكله فوق القصد ومقدار الحاجة.
وقيل لبعض الأطباء: هل وجدت الطب في كتاب الله تعالى؟ قال: نعم قد جمع الله الطب كله في هذه الآية {وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ} ثم قال: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} أي لا تحرموا ما أحل الله لكم، فإنَّ المحرم ما أحل الله كالمحل ما حرم الله تعالى. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا بني ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
قال المفسّرون: كانت بنو عامر في الجاهلية يطوفون في البيت عُراة الرجال بالنهار والنساء بالليل، وكانوا إذا قدموا مسجد منى طرح أحدهم ثيابه في رحله وإن طاف وهي عليه ضُرب وانبزعت منه فأنزل الله تعالى: {يا بني ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} يعني الثياب.
وقال مجاهد: ما تواري به عورتك للصلاة والطواف وقال عطيّة وأبو روق وأبو رزين: المشط. وسمعت أبو القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا الهيثم الجهني يحكي عن السنوخي القاضي: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} يعني: رفع الأيدي في مواقيت الصلاة.
وروى علي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخبر، قول جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء زينة وإن زينة الصلاة برفع الأيدي فيها في ثلاث مواضع إذا تحرمت للصلاة: إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع».
{وكُلُواْ واشربوا} قال الكلبي: كانت بنو عامر لا يأكلون من الطعام إلاّ قوتًا ولا يأكلون دسمًا في أيام حجّهم يعظّمون بذلك حجّهم فقال المسلمون: يا رسول الله نحن أحق أن نفعل ذلك، فأنزل الله تعالى: {وكُلُواْ} يعني اللحم والدسم {واشربوا وَلاَ تسرفوا} يعني الحرام.
قال ابن عباس: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك سرف ومخيلة، وقال مجاهد: الإسراف ما قصرت به عن حق الله. وقال: لو أنفقت مثل أُحُد في طاعة الله لم يكن سرفًا ولو أنفقت درهمًا أو مدًا في معصية الله كان إسرافًا.
وقال الكلبي: ولا تُسرفوا يعني لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} المتجاوزين من فعل الحرام في الطعام والشراب، وبلغني أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعليّ بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان، قال عليّ: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء في الطب؟
فقال عليّ: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب فيّ ألفاظ يسيرة.
قال: وما هي؟ قال: قوله: «المعدة بيت الداء والحمية رأس كلّ دواء وأعطِ كل بدن ما عودته».
فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبًّا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا بِنِي ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمُ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن ذلك وارد في ستر العورة في الطواف على ما تقدم ذكره، قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، وقتادة، وسعيد بن جبير، وإبراهيم.
والثاني: أنه وارد في ستر العورة في الصلاة، قاله مجاهد، والزجاج.
والثالث: أنه وارد في التزين بأجمل اللباس في الجمع والأعياد.
والرابع: أنه أراد به المشط لتسريح اللحية.
{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} يعني ما أحله الله لكم.
ويحتمل أن يكون هذا أمر بالتوسع في الأعياد.
{وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسُرِفِينَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لا تسرفوا في التحريم، قاله السدي.
والثاني: معناه لا تأكلوا حرامًا فإنه إسراف، قاله ابن زيد.
والثالث: لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع فإنه مضر، وقد جاء في الحديث: «أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ البردة»، يعني التخمة.
ويحتمل تأويلًا رابعًا: لا تسرفوا في الإنفاق.
وقوله: {إِنَّهُ لاَ يحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يحب أفعالهم في السرف.
والثاني: لا يحبهم في أنفسهم لأجل السرف. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}
هذا خطاب عام لجميع العالم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها، والزينة هاهنا الثياب الساترة قاله مجاهد والسدي، وقال طاوس: الشملة من الزينة.
قال القاضي أبو محمد: ويدخل فيها ماكان من الطيب للجمعة والسواك وبدل الثياب وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعملة الخيلاء، و{عند كل مسجد} عند كل موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها هذا هو مهم الأمر، ويدخل مع الصلاة مواطن الخير كلها، ومع ستر العورة ما ذكرناه من الطيب للجمعة وغير ذلك، وذكر مكي حديثًا أن معنى {خذوا زينتكم} صلوا في النعال، وما أحسبه يصح.
وقوله تعالى: {وكلوا واشربوا} نهي عما كانوا التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام الموسم، قال السدي وابن زيد، وتدخل مع ذلك أيضًا البحيرة والسائبة ونحو ذلك، وقد نص على ذلك قتادة وقال إن البحيرة وما جانسها هي المراد بقوله تعالى: {والطيبات من الرزق}، وقوله تعالى: {ولا تسرفوا} معناه ولا تفرطوا، قال أهل التأويل: يريد ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم مالم يحرم الله عز وجل، قال ابن عباس: ليس في الحلال سرف إنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال القاضي أبو محمد: يريد في الحلال القصد، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقًا فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضًا من المسرفين وتوجه النهي عليه، مثل ذلك أن يفرط الإنسان في شراء ثياب ونحوها ويستنفد في ذلك جل ماله أو يعطي ماله أجمع ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ونحوه، فالله عز وجل لا يحب شيئًا من هذا، وقد نهت الشريعة عنه، ولذلك وقف النبي عليه السلام بالموصي عند الثلث، وقال بعض العلماء: لو حط الناس إلى الربع لقول النبي عليه السلام «والثلث كثير»، وقد قال ابن عباس في هذه الآية، أحل الله الأكل والشرب مالم يكن سرفًا أو مخيلة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم}
سبب نزولها: أن ناسًا من الأعراب كانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تعلِّق على فرجها سيورًا، وتقول:
اليومَ يَبْدُو بَعْضُهُ أو كُلُّهُ ** وَمَا بَدا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ

فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كانوا إذا حجوا، فأفاضوا من منى، لا يصلح لأحد منهم في دينه الذي اشترعوا أن يطوف في ثوبيه، فيلقيهما حتى يقضي طوافه، فنزلت هذه الآية.
وقال الزهري: كانت العرب تطوف بالبيت عراةً، إلا الحمس، قريشٌ وأحلافها، فمن جاء من غيرهم، وضع ثيابه وطاف في ثوبي أحمس، فإن لم يجد من يُعيره من الحمس، ألقى ثيابه وطاف عريانًا، فإن طاف في ثياب نفسه، جعلها حرامًا عليه إذا قضى الطواف، فلذلك جاءت هذه الآية.
وفي هذه الزينة قولان:
أحدهما: أنها الثياب.
ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ورد في ستر العورة في الطواف، قاله ابن عباس، والحسن في جماعة.
والثاني: أنه ورد في ستر العورة في الصلاة، قاله مجاهد، والزجاج.
والثالث: أنه ورد في التزين بأجمل الثياب في الجمع والأعياد، ذكره الماوردي.
والثاني: أن المراد بالزينة: المشط، قاله أبو رزين.
قوله تعالى: {وكلوا واشربوا} قال ابن السائب: كان أهل الجاهلية لا يأكلون في أيام حَجِّهم دَسَمًا، ولا ينالون من الطعام إلا قوتًا، تعظيما لحجِّهم فنزل قوله: {وكلوا واشربوا} وفي قوله: {ولا تسرفوا} أربعة اقوال.
أحدها: لا تسرفوا بتحريم ما أحل لكم، قاله ابن عباس.
والثاني: لا تأكلوا حرامًا، فذلك الإِسراف، قاله ابن زيد.
والثالث: لا تشركوا، فمعنى الإسراف هاهنا: الإشراك، قاله مقاتل.
والرابع: لا تأكلوا من الحلال فوق الحاجة، قاله الزجاج.
ونُقل أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، فقال.
علي: قد جمع الله تعالى الطب في نصف آية من كتابنا.
قال: ما هي؟ قال قوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} قال النصراني ولا يؤثر عن نبيكم شيء من الطب، فقال: قد جمع رسولنا علم الطب في ألفاظ يسيرة قال: وما هي؟ قال: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وعوِّدوا كل بدن ما اعتاد» فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبًا.
قال المصنف: هكذا نقلتُ هذه الحكاية، إلا أن هذا الحديث المذكور فيها عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يثبت.
وقد جاءت عنه في الطب أحاديث قد ذكرتها في كتاب لقط المنافع في الطب. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى فَرْضِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: هِيَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ إنْ تَرَكَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: الصَّلَاةُ مُجْزِيَةٌ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَيُوجِبَانِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا اسْتِحْبَابٌ.